ليث العسّاف
تسعى الحكومة لمواجهة ومحاربة الفساد بكافة أشكاله وفق منهجية علمية، وذلك بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يولي ملف مكافحة الفساد أهمية قصوى، ويعتبره أولوية حكومية.
وقد تصدّر الأردن الدول التي تنبهت لآفة الفساد ومخاطرها، وانشئت عام 2006 هيئة لمكافحة الفساد بأمر من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي واصل ودعم بكل قوة وحزم جميع مراحل تطور وتحديث الهيئة، وصولا إلى القانون الذي تم بموجبه تشكيل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد عام 2016، كهيئة مستقلة تعمل وفق أعلى المعايير الدولية على تعزيز قيم الشفافية والنزاهة، وقواعد السلوك في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، ومكافحة جميع أشكال الفساد، وترسيخ أفضل سبل التعاون والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة بضمان الجودة وحسن الأداء.
وتعتبر جهود هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة في محاربة هذه الآفة نتيجة حتمية لإرادة سياسية صارمة تقضي بمكافحة الفساد، ومعاقبة الفاسدين، تنفيذا للرؤى الملكية السامية وتركيزها على نهج مكافحة الفساد.
ولم يغب ملف الفساد ومكافحته عن أجندة الحكومات المتعاقبة، وبات أحد ثوابت أجنداتها، ويتعاظم هذا الجانب في عمل الحكومة الحالية التي تعمل منذ بداية تشكليها بكل جدية والتزام على محاربة كافة أشكال الفساد المالي والإداري، وتوفير الدعم للأجهزة الرقابية المعنية بالمحافظة على المال العام.
وقد شهدت هيئة النزاهة نقلة نوعية في تعزيز مفاهيم النزاهة ومكافحة الفساد من خلال السعي الدائم والملحوظ في التقدم والتطوير في أساليب التحقيق والمختبرات الرقمية، والشفافية والانفتاح على الإعلام.
ان الرسالة الكبرى التي تحملها الهيئة تتمثل بتحقيق المصالح الوطنية العليا في عدة جوانب وهي: منع التطاول على المال العام أو الكسب غير المشروع الذي من شأنه أن يهدد إيرادات الخزينة ويضعف دور الدولة في توفير الخدمات الأساسية وتدني مستوى العدالة في توزيع مكتسبات التنمية والمساهمة في تحقيق الأمن بمفهومه الشامل، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها وتجذير روح المواطنة والانتماء والمساهمة في رفد التنمية المستدامة من خلال تعزيز ثقة المستثمرين بنزاهة مؤسسات الدولة، بحيث تكون الهيئة ملاذاً آمناً لمن يشعر بالظلم والابتزاز وتعزيز سمعة الدولة على المستوى الخارجي، وإظهار الوجه المشرق للأردن ونزاهة واستقامة مواطنيه، بالإضافة إلى خلق بيئة وظيفية آمنة تدفع نحو التميز والإبداع والإخلاص وتأكيد حق المواطن في الحصانة القانونية التلقائية من الأضرار المحتملة الناجمة عن قرارات وإجراءات وممارسات الإدارة العامة وسياساتها.
وتهدف الهيئة إلى ضمان الالتزام بمبادئ النزاهة الوطنية ومكافحة الفساد من خلال تفعيل منظومة القيم السلوكية في الإدارة العامة وضمان تكاملها، والتأكد من أن الإدارة العامة تقدم الخدمة للمواطن بجودة عالية وبشفافية وعدالة، بالإضافة إلى التأكد من التزام الإدارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص والتزام السلطة التنفيذية الشفافية عند وضع السياسات واتخاذ القرارات وضمان حق المواطن في الاطلاع على المعلومات وفقاً للتشريعات، فضلا عن التأكد من تطبيق الإدارة العامة للتشريعات بشفافية، بما يحقق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ووجود إطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين ومتخذي القرار في الإدارة العامة ومحاسبتهم.
كما تهدف إلى تلقي شكاوى المتضررين وتظلماتهم وفقاً لأحكام القانون والتعاون في تقديم وطلب المساعدة القانونية الدولية في مجال مكافحة الفساد حال توافر شروط تقديمها من خلال القنوات الرسمية.
وتعمل الهيئة على التحري عن الفساد المالي والإداري بكل أشكاله، والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة والمعلومات الخاصة بذلك ومباشرة التحقيقات والسير في الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لذلك وملاحقة كل من يرتكب أياً من أفعال الفساد وحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة ومنعه من السفر بقرار مستعجل من الجهة القضائية المختصة وطلب كف يده عن العمل من الجهات المعنية ووقف راتبه وعلاواته وسائر استحقاقاته من تلك القرارات أو إلغائها وفق التشريعات السارية المفعول، فضلا عن مكافحة اغتيال الشخصية والتأكد من قيام مؤسسات الرقابة على القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بوضع معايير الحوكمة الرشيدة وسلامة تطبيقها، بالإضافة إلى تلقي حالات التظلمات التي تحدث في الإدارة العامة وتصويبها سواء فيما يتعلق بتقديم الخدمة للمواطن على أسس العدالة والمساواة أو فيما يتعلق بحالات الظلم التي تقع على العاملين في الإدارة العامة أو أولئك الذين يرغبون بالالتحاق بالعمل فيها.
إن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد تقوم بواجباتها من خلال منظومة استراتيجية لتحقيق الغايات المنشودة في القضاء على الفساد، وهي في جانب كبير منها تعتمد على إجراءات وقائية واستباقية كان لها الأثر الكبير في إحباط عمليات الفساد قبل وقوعها، إلى جانب ما تم تحقيقه في مجالات التوعية بمخاطر الفساد، ونشر ثقافة النزاهة والشفافية والمساءلة، واسترداد الأموال المتحصلة من أفعال الفساد.
وعن واقع محاربة الفساء، أكد خبراء لـ»الدستور» أن التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء على قانون النزاهة ومكافحة الفساد تعطي الهيئة المزيد من الاستقلالية المالية والإدارية، بما يمكّنها من أداء واجباتها، ويعزز قدراتها في ملاحقة القضايا المتعلّقة بالفساد.
رئيسة مركز الشفافية الأردني هيلدا عجيلات قالت: ان التعديلات الأخيرة لقانون الهيئة بالتأكيد خطوة للأمام، وقد كان للهيئة تحرك ملحوظ في الفترة الأخيرة.
وأضافت عجيلات أنه تمت المطالبة سابقا بان تكون هناك استقلالية تامة وكاملة للهيئة إداريا وماليا وأن تعامل كالمحكمة الدستورية، وأن يتم تعيين رئيس الهيئة بتنسيب من السلطات الثلاث استنادا لرغبة جلالة الملك برسالته لحكومة د.عدنان بدران عام 2005، لتكون هناك حيادية تامة واستقلالية بأداء الهيئة وقراراتها.
أما في ما يتعلق بمساهمة المجتمع في مكافحة الفساد، فقد أشارت عجيلات الى ان أولى الخطوات في طريق مكافحة الفساد الشائك والطويل تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم من خلال المناهج التي يدرسها الأطفال منذ مراحل تعليمهم الأولى للعمل على ترسيخ قيم النزاهة لدى أبنائنا في مناحي حياتهم.
أمين عام مفوض لحزب الوحدة الوطنية د.ممدوح الزبون أكد أنّ هذه الجهود الوطنية المبذولة والتي تنسجم مع توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بكسر ظهر الفساد، ما كانت لتتم لولا الدعم الكبير والمتابعة المستمرّة التي يوليها رئيس الوزراء لهذا الملفّ، كجزء مهمّ وأساسي من جهود الحكومة في حماية المال العام.
وقال الزبون ان محاربة الفساد وحماية المال العام هو توجيه ملكي ومطلب شعبي ويجب أن تكون هذه العملية مستمرة.
الدكتور مجاهد الطهراوي المتخصص في العلوم المالية والمصرفية، أكد أن دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد يتمثل بتحصين المال العام وتعزيز منظومة النزاهة بشكل عام.
وقال الطهراوي إن دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في تحصين المال العام وارساء قواعد المساءلة والشفافية يمكن ان يتعزز بشكل كبير عبر الاخذ بالتوصيات المتمثلة بتحصين الهيئة وادارتها وتبعيتها الى السلطة التشريعية ومن ثم الى رأس السلطات، وهو جلالة الملك، وتزويدها بادوات التمكين الرقابي (المالي والاداري والقانوني) وكذلك تفعيل الضابطة العدلية للوصول الى مكامن الخلل، بما يعزز ثقة المواطنين والمؤسسات المختلفة بالهيئة وتمكينها من الوصول الى جميع المؤسسات والهيئات والحصول على المعلومات اللازمة لها لاداء اعمالها بشفافية دون تغول او استقواء على جهة دون اخرى.
وأشار إلى ضرورة اعادة صياغة بعض الانظمة والتشريعات الناظمة لعمل الهيئة، بما يساعدها في تحصين المال العام وهو الهدف الاسمى لمثل هذه الهيئات، لان هدر المال العام هو مفتاح انهيار المؤسسات وما يترتب عليه من ضعف لاقتصاد الدولة وما ينتج عن ذلك من اثار اقتصادية واجتماعية مدمرة.