هيلدا عجيلات- لم يعد يخفى عن المواطن الأردني سوء إدارة الحكومات المتعاقبة في ملفي الدين العام والموازنة العامة، ولا العلاقة الزبائنية بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولا غياب المساءلة الحقيقية التي أدت إلى عجز مستمر في الموازنة العامة، فواجه الأردن إشكاليات في الدين العام، فالإشكالية الأولى تتمثل بعدم إستجابة الإقتصاد الأردني لهذا الحجم من الدين، فقد بلغت نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي 100% ومن المتوقع أن ترتفع هذا العام ما بين 107 – 110% بسبب الإنكماش الإقتصادي المتوقع، ومن المتوقع أيضاً ارتفاع مبلغ خدمة الدين للعام القادم ليصل 1.5 مليار دينار، أي بحدود 15% من إجمالي الموازنة – وهي نسبة مرتفعة. أما الإشكالية الثانية تتمثل في النمو المتزايد في الدين العام لتمويل النفقات الجارية
هذه كانت كلمات الدكتور محمد الهزايمة، مدير عام الموازنة العامة السابق خلال الجلسة الحوارية المرئية التي نظمها مركز الشفافية حول تحديات الموازنة العامة وتداعيات أزمة كوفيد 19 السلبية عليها
توقفت الحكومة عن إصدار ملحق الموازنة، وهذا الملحق بحد ذاته دستوري في حال وجود نفقات إضافية ملحة، وقد تهربت الحكومة من إصدار الملحق لتجنب الإفصاح عن هذه النفقات الإضافية، وبحسب آخر بيانات مالية كما جاءت في 2020/3/31، فكان عجز الموازنة 450 مليون دينار، بينما إقترضت الحكومة 850 مليون دينار خلال نفسالفترة، مما يثير التساؤل حول سبب اقتراض 400 مليون دينار إضافية! كذلك كان الحال في نهاية العام 2019 إذ زاد الإقتراض بقيمة 2 مليار دينار مقارنة بالعام 2018، في حين بلغ عجز الموازنة لعام 2019 مليار وخمسين مليون دينار، مما يثير مرة أخرى التساؤل حول مجالات إنفاق ال 950 مليون دينار، وحتى لو قل الفرق بمقدار السُلف التي قدمتها الحكومة لسلطة المياه وشركة الكهرباء، علماً بأن هذه السُلف غير قانونية كونها تخالف أحكام قانون الموازنة العامة والنظام المالي، مما يعني أن الحكومة تقوم بصرف تلك النفقات خارج الموازنة، كتقديم السلف لمديرية التقاعدالمدني والعسكري ودعم أسعار الخبز ونفقات رديات الضريبة، وهذا نوع من أنواع الهدر في المال العام
فيما يتعلق بمصادر تمويل الدين العام، بيّن الهزايمة أنه “لم تعد مصادر التمويل العالمية متاحة كما كانت في السابق جراء أزمة الكورونا، وعليه قامت الحكومة باللجوء للسوق المحلي وبالتحديد إلى “صندوق استثمار الضمان الاجتماعي”، إذ بلغ الإقتراض من الصندوق 750 مليون دينار من أصل 850 مليون دينار في الربع الأول من العام الحالي، وبهذا أصبحت نسبة ما اقترضته الحكومة من الصندوق الإستثماري لمؤسسة الضمان بحدود 60%، وهي نسبة مرتفعة!
والملفت للنظر أن وزارة المالية قامت ولأول مرة ضمن نشرتها المالية بنشر مؤشرين لإجمالي الدين العام، الأول بدون دين صندوق استثمار الضمان الإجتماعي ويبلغ 80% من الناتج المحلي الإجمالي، والمؤشر الثاني يتضمن دين المؤسسة ويبلغ 100%. ويخشى نشر المؤشر الأول -بالرغم من معرفة الحكومة أن أموال الضمان هي أموال تعود لموظفي القطاعين العام والخاص – أن تكون مقدمة أو جس نبض لتوغل الحكومة على هذه الأموال التي ربما تفضي في المستقبل إلى التوغل أيضاً على الفوائد المترتبة على اقتراض هذه الأموال
وفيما يتعلق ببند “تسديد التزامات سابقة” الذي تم البدء برصده منذ العام 2016، فقد وصل إلى أكثر من مليار دينار جراء الإلتزام بأكثر من المخصصات المرصودة لعدد من البنود أهمها نفقات المعالجات الطبية لغير المقتدرين من غير المؤمنين نظراً لتسرب جزء منها إلى غير مستحقيها (المحسوبيات) ونفقات المحروقات والكهرباء. وقد بادرت الحكومة في العام 2019 بمعالجة هذا البند، حيث طلبت من الدائنين كمستودعات الأدوية وشركة مصفاة البترول وغيرهم بإقتراض المبالغ المستحقة لهم على الحكومة من البنوك التجارية بضمانة الحكومة، وعلى أن تسدد خلال عدد من السنوات، ولذلك تم إدراج مبلغ 129 مليون دينار تحت بند أقساط قروض معالجة المتأخرات الحكومية ضمن موازنة التمويل في عام 2020، أي تحت الخط بدلاً من ادراجها فوق الخط ضمن جانب النفقات في الموازنة وكأنها نفقات خارج الموازنة وبصورة مخالفة لأحكام قانون الموازنة العامة، علماً بأن هذه المعالجة تفتقر إلى الشفافية المالية كونها أدت إلى تجميل الوضع المالي من خلال عدم تضمين هذه المتأخرات ضمن النفقات العامة، ويالتالي عدم انعكاسها على عجز الموازنة العامة وإجمالي الدين العام، أي بمعنى تخفيض كل من عجز الموازنة وإجمالي الدين العام بقيمة المتأخرات
في معرض رد الهزايمة على أسئلة الحضور، أكد على ضرورة إعادة النظر ببعض النفقات الرأسمالية التي يغلب عليها طابع النفقات الجارية كالمشاريع المستمرة والتي تمثل نفقات تشغيلية، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الدور التنموي للنفقات الرأسمالية، ويعزز الخلل المزمن في الموازنة العامة لصالح النفقات الجارية على حساب النفقات الرأسمالية، فمن أصل حوالي 9.5 تسعة ونصف مليار دينار لعام 2020 فإن مليار وربع دينار فقط هي نفقات رأسمالية والباقي جارية، أي الأخيرة أكثر من 85%”. كذلك ذكر الهزايمة أن الحكومة بالغت في تقدير إيرادات عام 2020 خاصةً الإيرادات الضريبية، فقد توقعت الحكومة ارتفاعاً بمقدار أكثر من 700 مليون دينار، وهذا من الصعب تحقيقه حتى بدون تداعيات جائحة الكورونا، وبالتالي فإن الإيرادات المحلية ستنخفض بصورة حادة جراء تداعيات أزمة الكورونا. أما فيما يتعلق بما أعلنه وزير المالية عن النية بعدم تخفيض الإنفاق والتوجه نحو إنفاق كامل المبالغ المخصصة في الموازنة لإنعاش السوق، فقال أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، فما تم إتفاقه حتى الآن هو الرواتب وبعض فوائد الدين العام، وحتى دعم الخبز لم ينفق لغاية تاريخه!
كما أفاد الهزايمة أنه هناك هدر في رواتب القطاع العام بسبب الموظفين الفائضين عن حاجة القطاع العام، ويمكن معالجة ذلك من خلال تطبيق قاعدة “صافي التعيينات سالب” أي أن التعيينات الجديدة أقل من الإنفككات. كما أن هناك هدر في المكافآت والعلاوات جراء التفاوت الكبير فيها بين موظفي الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية من ناحية، وبين موظفي الوزارة اًو الدائرة الحكومية نفسها من ناحية ثانية، مما يتطلب إعادة النظر بهذه المكافآت والعلاوات لإضفاء المزيد من الشفافية والعدالة بين موظفي القطاع العام
وفيما يتعلق بالاحتياطيات من العملات الأجنبية، قال الهزايمة “أن الأمور جيدة فلدينا رصيد يغطي مستورداتنا لمدة تزيد عن 7 شهور، وخاصةً أنه من المتوقع أن تنخفض فاتورة المستوردات بسب تداعيات أزمة الكورونا بشكل عام، وإنخفاص فاتورة النفط جراء انخفاص أسعار النفط العالمية بشكل خاص
وفي معرض رده على تطوير آلية إعداد الموازنة العامة لعام 2020، أفاد الهزايمة بأنه لم يطرأ أي تعديل أو تغيير على آلية إعداد الموازنة، والتي لا زالت متبعة منذ أكثر من 10سنوات، وان إدعاء الحكومة بتطبيق آلية جديدة فهو غير دقيق، كما أنه لا يمكن الإدعاء بأنه يتم تطبيق منهجية الموازنة الموجهة بالنتائج بصورة كاملة، نظراً لغياب مرحلة المتابعة والتقييم والمساءلة بشكل أصولي، وبالتالي عدم تحقق الهدف المنشود من هذه المنهجية والمتمثل في ربط المخصصات بالأداء والمساءلة في حال عدم تحقيق الأهداف الموضوعة، ويعود ذلك بصورة رئيسة إلى عدم إيلاء هذه المنهجية الإهتمام المطلوب من قبل الأمناء والمدراء العامين والوزراء
أما بالنسبة لعملية إتخاذ القرار، فذكر الهزايمة أنه يتم إتخاذ القرارات أحياناً تحت ضغوط اجتماعية وسياسية لغايات شعبوية، مثل الزيادات التي طرأت على رواتب الموظفين والمتقاعدين، كما أنه أحيانا لا يتم إشراك الخبراء أو أصحاب الإختصاص في صنع القرارات، فضلاً عن التردد والبطء في عملية اتخاذ القرار واللجوء إلى تشكيل اللجان بصورة مبالغ فيها
وبالنسبة للمنح الأجنبية التي ترد إلى الإقتصاد الأردني، أفاد الهزايمة بأن هناك نوعين من المنح؛ منح تدخل في الموازنة العامة، ومنح لا تدخل الموازنة العامة حسب شروط الجهة المانحة والتي تتكفل أحياناً بالمتابعة والرقابة على حسن تنفيذ المشاريع وبالتنسيق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي
وبالنسبة للضريبة المقطوعة على المشتقات النفطية، أفاد الهزايمة أنه قبل تثبيت الضريبة المقطوع، كان هناك عدد كبير من الضرائب والرسوم على شكل نسب معينة أو قيم مطلقة، وبالتالي وجدت الحكومة أن الضريبة المقطوعة هي أفضل طريقة للحفاظ على استقرار حصيلة الإيرادات المتأتية من المشتقات النفطية بغض النظر عن التغير في الأسعار. أما بالنسبة لإتفاقيات شراء الطاقة التي أبرمتها الحكومة، فيرى أنها ملزمة وبالتالي الطريقة الوحيدة لمراجعتها هي إعادة التفاوض على أسعار الشراء بأسلوب ودي، أما مشروع الصخر الزيتي، فقد يكون من الصعب أن تقوم الحكومة بشراء هذا المشروع، حيث تم استثمار مليارات الدولارات فيه، ولكن يمكن إعادة التفاوض مع المستثمر على أسعار الشراء بأسلوب ودي ايضاً
وفي ظل الجرأة على الإنفاق وخاصة الجاري منه إذ تستأثر رواتب الموظفين والمتقاعدين بأكثر من 65% من الموازنة، والتساهل في اللجوء إلى الإقتراض الداخلي والخارجي لتمويل عجز الموازنة العامة، حتى وإن تجاوز المستوى المقدر في الموازنة، إضافة إلى الإنفاق خارج الموازنة، سيفضي إلى تفاقم الدين العام إلى مستويات قياسية، وبالتالي إمكانية إرتفاع أعباء هذا الدين على الخزينة العامة لدرجة لا يمكن تحملها، الأمر الذي يستدعي تعزيز إجراءات الرقابة والمساءلة المشددة على مجالات الإنفاق، وخاصة ان كان خارج الموازنة، إضافة إلى المجالات التي يتم تمويلها من خلال الإقتراض الداخلي والخارجي